أعمال الرسل ١: ١ - ٢٦
أعمال الرسل ١
صعود الرب يسوع إلى السماء
١ الكلامُ الأوَّلُ أنشأتُهُ يا ثاوُفيلُسُ، عن جميعِ ما ابتَدأ يَسوعُ يَفعَلُهُ ويُعَلِّمُ بهِ،
٢ إلَى اليومِ الّذي ارتَفَعَ فيهِ، بَعدَ ما أوصَى بالرّوحِ القُدُسِ الرُّسُلَ الّذينَ اختارَهُمْ.
٣ الذينَ أراهُمْ أيضًا نَفسَهُ حَيًّا ببَراهينَ كثيرَةٍ، بَعدَ ما تألَّمَ، وهو يَظهَرُ لهُمْ أربَعينَ يومًا، ويَتَكلَّمُ عن الأُمورِ المُختَصَّةِ بملكوتِ اللهِ.
٤ وفيما هو مُجتَمِعٌ معهُمْ أوصاهُمْ أنْ لا يَبرَحوا مِنْ أورُشَليمَ، بل يَنتَظِروا «مَوْعِدَ الآبِ الّذي سمِعتُموهُ مِنّي،
٥ لأنَّ يوحَنا عَمَّدَ بالماءِ، وأمّا أنتُمْ فستَتَعَمَّدونَ بالرّوحِ القُدُسِ، ليس بَعدَ هذِهِ الأيّامِ بكَثيرٍ».
٦ أمّا هُمُ المُجتَمِعونَ فسألوهُ قائلينَ: «يا رَبُّ، هل في هذا الوقتِ ترُدُّ المُلكَ إلَى إسرائيلَ؟».
٧ فقالَ لهُمْ: «ليس لكُمْ أنْ تعرِفوا الأزمِنَةَ والأوقاتَ الّتي جَعَلها الآبُ في سُلطانِهِ،
٨ لكنكُمْ ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ، وتَكونونَ لي شُهودًا في أورُشَليمَ وفي كُلِّ اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ وإلَى أقصَى الأرضِ».
٩ ولَمّا قالَ هذا ارتَفَعَ وهُم يَنظُرونَ. وأخَذَتهُ سحابَةٌ عن أعيُنِهِمْ.
١٠ وفيما كانوا يَشخَصونَ إلَى السماءِ وهو مُنطَلِقٌ، إذا رَجُلانِ قد وقَفا بهِمْ بلِباسٍ أبيَضَ،
١١ وقالا: «أيُّها الرِّجالُ الجَليليّونَ، ما بالُكُمْ واقِفينَ تنظُرونَ إلَى السماءِ؟ إنَّ يَسوعَ هذا الّذي ارتَفَعَ عنكُمْ إلَى السماءِ سيأتي هكذا كما رأيتُموهُ مُنطَلِقًا إلَى السماءِ».
١٢ حينَئذٍ رَجَعوا إلَى أورُشَليمَ مِنَ الجَبَلِ الّذي يُدعَى جَبَلَ الزَّيتونِ، الّذي هو بالقُربِ مِنْ أورُشَليمَ علَى سفَرِ سبتٍ.
١٣ ولَمّا دَخَلوا صَعِدوا إلَى العِلّيَّةِ الّتي كانوا يُقيمونَ فيها: بُطرُسُ ويعقوبُ ويوحَنا وأندَراوُسُ وفيلُبُّسُ وتوما وبَرثولَماوُسُ ومَتَّى ويعقوبُ بنُ حَلفَى وسِمعانُ الغَيورُ ويَهوذا أخو يعقوبَ.
١٤ هؤُلاءِ كُلُّهُمْ كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطِّلبَةِ، مع النِّساءِ، ومَريَمَ أُمِّ يَسوعَ، ومَعَ إخوَتِهِ.
اختيار متياس بدلًا من يهوذا
١٥ وفي تِلكَ الأيّامِ قامَ بُطرُسُ في وسطِ التلاميذِ، وكانَ عِدَّةُ أسماءٍ مَعًا نَحوَ مِئَةٍ وعِشرينَ. فقالَ:
١٦ «أيُّها الرِّجالُ الإخوَةُ، كانَ يَنبَغي أنْ يتِمَّ هذا المَكتوبُ الّذي سبَقَ الرّوحُ القُدُسُ فقالهُ بفَمِ داوُدَ، عن يَهوذا الّذي صارَ دَليلًا للّذينَ قَبَضوا علَى يَسوعَ،
١٧ إذ كانَ مَعدودًا بَينَنا وصارَ لهُ نَصيبٌ في هذِهِ الخِدمَةِ.
١٨ فإنَّ هذا اقتَنَى حَقلًا مِنْ أُجرَةِ الظُّلمِ، وإذ سقَطَ علَى وجهِهِ انشَقَّ مِنَ الوَسطِ، فانسَكَبَتْ أحشاؤُهُ كُلُّها.
١٩ وصارَ ذلكَ مَعلومًا عِندَ جميعِ سُكّانِ أورُشَليمَ، حتَّى دُعيَ ذلكَ الحَقلُ في لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَما» أيْ: حَقلَ دَمٍ.
٢٠ لأنَّهُ مَكتوبٌ في سِفرِ المَزاميرِ: لتَصِرْ دارُهُ خَرابًا ولا يَكُنْ فيها ساكِنٌ. وليأخُذْ وظيفَتَهُ آخَرُ.
٢١ فيَنبَغي أنَّ الرِّجالَ الّذينَ اجتَمَعوا معنا كُلَّ الزَّمانِ الّذي فيهِ دَخَلَ إلَينا الرَّبُّ يَسوعُ وخرجَ،
٢٢ منذُ مَعموديَّةِ يوحَنا إلَى اليومِ الّذي ارتَفَعَ فيهِ عَنّا، يَصيرُ واحِدٌ مِنهُمْ شاهِدًا معنا بقيامَتِهِ».
٢٣ فأقاموا اثنَينِ: يوسُفَ الّذي يُدعَى بارسابا المُلَقَّبَ يوستُسَ، ومَتّياسَ.
٢٤ وصَلَّوْا قائلينَ: «أيُّها الرَّبُّ العارِفُ قُلوبَ الجميعِ، عَيِّنْ أنتَ مِنْ هَذَينِ الِاثنَينِ أيًّا اختَرتَهُ،
٢٥ ليأخُذَ قُرعَةَ هذِهِ الخِدمَةِ والرِّسالَةِ الّتي تعَدّاها يَهوذا ليَذهَبَ إلَى مَكانِهِ».
٢٦ ثُمَّ ألقَوْا قُرعَتَهُمْ، فوَقَعَتِ القُرعَةُ علَى مَتّياسَ، فحُسِبَ مع الأحَدَ عشَرَ رَسولًا.
التثنية ٣١: ١ إلى ٣٢: ٥٢
التثنية ٣١
يشوع يخلف موسى
١ فذَهَبَ موسى وكلَّمَ بهذِهِ الكلِماتِ جميعَ إسرائيلَ،
٢ وقالَ لهُمْ: «أنا اليومَ ابنُ مِئَةٍ وعِشرينَ سنَةً. لا أستَطيعُ الخُروجَ والدُّخولَ بَعدُ، والرَّبُّ قد قالَ لي: لا تعبُرُ هذا الأُردُنَّ.
٣ الرَّبُّ إلهُكَ هو عابِرٌ قُدّامَكَ. هو يُبيدُ هؤُلاءِ الأُمَمَ مِنْ قُدّامِكَ فترِثُهُمْ. يَشوعُ عابِرٌ قُدّامَكَ، كما قالَ الرَّبُّ.
٤ ويَفعَلُ الرَّبُّ بهِمْ كما فعَلَ بسيحونَ وعوجَ مَلِكَيِ الأموريّينَ اللَّذَينِ أهلكَهُما، وبأرضِهِما.
٥ فمَتَى دَفَعَهُمُ الرَّبُّ أمامَكُمْ تفعَلونَ بهِمْ حَسَبَ كُلِّ الوَصايا الّتي أوصَيتُكُمْ بها.
٦ تشَدَّدوا وتَشَجَّعوا. لا تخافوا ولا ترهَبوا وُجوهَهُمْ، لأنَّ الرَّبَّ إلهَكَ سائرٌ معكَ. لا يُهمِلُكَ ولا يترُكُكَ».
٧ فدَعا موسى يَشوعَ، وقالَ لهُ أمامَ أعيُنِ جميعِ إسرائيلَ: «تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، لأنَّكَ أنتَ تدخُلُ مع هذا الشَّعبِ الأرضَ الّتي أقسَمَ الرَّبُّ لآبائهِمْ أنْ يُعطيَهُمْ إيّاها، وأنتَ تقسِمُها لهُمْ.
٨ والرَّبُّ سائرٌ أمامَكَ. هو يكونُ معكَ. لا يُهمِلُكَ ولا يترُكُكَ. لا تخَفْ ولا ترتَعِبْ».
قراءة التوراة
٩ وكتَبَ موسى هذِهِ التَّوْراةَ وسَلَّمَها للكهنةِ بَني لاوي حامِلي تابوتِ عَهدِ الرَّبِّ، ولِجميعِ شُيوخِ إسرائيلَ.
١٠ وأمَرَهُمْ موسى قائلًا: «في نِهايَةِ السَّبعِ السِّنينَ، في ميعادِ سنَةِ الإبراءِ، في عيدِ المَظالِّ،
١١ حينَما يَجيءُ جميعُ إسرائيلَ لكَيْ يَظهَروا أمامَ الرَّبِّ إلهِكَ في المَكانِ الّذي يَختارُهُ، تقرأُ هذِهِ التَّوْراةَ أمامَ كُلِّ إسرائيلَ في مَسامِعِهِمْ.
١٢ اِجمَعِ الشَّعبَ، الرِّجالَ والنِّساءَ والأطفالَ والغَريبَ الّذي في أبوابِكَ، لكَيْ يَسمَعوا ويَتَعَلَّموا أنْ يتَّقوا الرَّبَّ إلهَكُمْ ويَحرِصوا أنْ يَعمَلوا بجميعِ كلِماتِ هذِهِ التَّوْراةِ.
١٣ وأولادُهُمُ الّذينَ لم يَعرِفوا، يَسمَعونَ ويَتَعَلَّمونَ أنْ يتَّقوا الرَّبَّ إلهَكُمْ كُلَّ الأيّامِ الّتي تحيَوْنَ فيها علَى الأرضِ الّتي أنتُمْ عابِرونَ الأُردُنَّ إليها لكَيْ تمتَلِكوها».
التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل
١٤ وقالَ الرَّبُّ لموسى: «هوذا أيّامُكَ قد قَرُبَتْ لكَيْ تموتَ. اُدعُ يَشوعَ، وقِفا في خَيمَةِ الِاجتِماعِ لكَيْ أوصيَهُ». فانطَلَقَ موسى ويَشوعُ ووقَفا في خَيمَةِ الِاجتِماعِ،
١٥ فتراءَى الرَّبُّ في الخَيمَةِ في عَمودِ سحابٍ، ووقَفَ عَمودُ السَّحابِ علَى بابِ الخَيمَةِ.
١٦ وقالَ الرَّبُّ لموسى: «ها أنتَ ترقُدُ مع آبائكَ، فيَقومُ هذا الشَّعبُ ويَفجُرُ وراءَ آلِهَةِ الأجنَبيّينَ في الأرضِ الّتي هو داخِلٌ إليها في ما بَينَهُمْ، ويَترُكُني ويَنكُثُ عَهدي الّذي قَطَعتُهُ معهُ.
١٧ فيَشتَعِلُ غَضَبي علَيهِ في ذلكَ اليومِ، وأترُكُهُ وأحجُبُ وجهي عنهُ، فيكونُ مأكُلَةً، وتُصيبُهُ شُرورٌ كثيرَةٌ وشَدائدُ حتَّى يقولَ في ذلكَ اليومِ: أما لأنَّ إلهي ليس في وسَطي أصابَتني هذِهِ الشُّرورُ!
١٨ وأنا أحجُبُ وجهي في ذلكَ اليومِ لأجلِ جميعِ الشَّرِّ الّذي عَمِلهُ، إذ التَفَتَ إلَى آلِهَةٍ أُخرَى.
١٩ فالآنَ اكتُبوا لأنفُسِكُمْ هذا النَّشيدَ، وعَلِّمْ بَني إسرائيلَ إيّاهُ. ضَعهُ في أفواهِهِمْ لكَيْ يكونَ لي هذا النَّشيدُ شاهِدًا علَى بَني إسرائيلَ.
٢٠ لأنّي أُدخِلُهُمُ الأرضَ الّتي أقسَمتُ لآبائهِمِ، الفائضَةَ لَبَنًا وعَسَلًا، فيأكُلونَ ويَشبَعونَ ويَسمَنونَ، ثُمَّ يَلتَفِتونَ إلَى آلِهَةٍ أُخرَى ويَعبُدونَها ويَزدَرونَ بي ويَنكُثونَ عَهدي.
٢١ فمَتَى أصابَتهُ شُرورٌ كثيرَةٌ وشَدائدُ، يُجاوِبُ هذا النَّشيدُ أمامَهُ شاهِدًا، لأنَّهُ لا يُنسَى مِنْ أفواهِ نَسلِهِ. إنّي عَرَفتُ فِكرَهُ الّذي يَفكِرُ بهِ اليومَ قَبلَ أنْ أُدخِلهُ إلَى الأرضِ كما أقسَمتُ».
٢٢ فكتَبَ موسى هذا النَّشيدَ في ذلكَ اليومِ وعَلَّمَ بَني إسرائيلَ إيّاهُ.
٢٣ وأوصَى يَشوعَ بنَ نونَ وقالَ: «تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ، لأنَّكَ أنتَ تدخُلُ ببَني إسرائيلَ الأرضَ الّتي أقسَمتُ لهُمْ عنها، وأنا أكونُ معكَ».
٢٤ فعندما كمَّلَ موسى كِتابَةَ كلِماتِ هذِهِ التَّوْراةِ في كِتابٍ إلَى تمامِها،
٢٥ أمَرَ موسى اللاويّينَ حامِلي تابوتِ عَهدِ الرَّبِّ قائلًا:
٢٦ «خُذوا كِتابَ التَّوْراةِ هذا وضَعوهُ بجانِبِ تابوتِ عَهدِ الرَّبِّ إلهِكُمْ، ليكونَ هناكَ شاهِدًا علَيكُمْ.
٢٧ لأنّي أنا عارِفٌ تمَرُّدَكُمْ ورِقابَكُمُ الصُّلبَةَ. هوذا وأنا بَعدُ حَيٌّ معكُمُ اليومَ، قد صِرتُمْ تُقاوِمونَ الرَّبَّ، فكمْ بالحَريِّ بَعدَ موتي!
٢٨ اِجمَعوا إلَيَّ كُلَّ شُيوخِ أسباطِكُمْ وعُرَفاءَكُمْ لأنطِقَ في مَسامِعِهِمْ بهذِهِ الكلِماتِ، وأُشهِدَ علَيهِمِ السماءَ والأرضَ.
٢٩ لأنّي عارِفٌ أنَّكُمْ بَعدَ موتي تفسِدونَ وتَزيغونَ عن الطريقِ الّذي أوصَيتُكُمْ بهِ، ويُصيبُكُمُ الشَّرُّ في آخِرِ الأيّامِ لأنَّكُمْ تعمَلونَ الشَّرَّ أمامَ الرَّبِّ حتَّى تُغيظوهُ بأعمالِ أيديكُمْ».
نشيد موسى
٣٠ فنَطَقَ موسى في مَسامِعِ كُلِّ جَماعَةِ إسرائيلَ بكلِماتِ هذا النَّشيدِ إلَى تمامِهِ:
التثنية ٣٢
١ «اِنصِتي أيَّتُها السماواتُ فأتَكلَّمَ، ولتَسمَعِ الأرضُ أقوالَ فمي.
٢ يَهطِلُ كالمَطَرِ تعليمي، ويَقطُرُ كالنَّدَى كلامي. كالطَّلِّ علَى الكلأ، وكالوابِلِ علَى العُشبِ.
٣ إنّي باسمِ الرَّبِّ أُنادي. أعطوا عَظَمَةً لإلهِنا.
٤ هو الصَّخرُ الكامِلُ صَنيعُهُ. إنَّ جميعَ سُبُلِهِ عَدلٌ. إلهُ أمانَةٍ لا جَوْرَ فيهِ. صِدّيقٌ وعادِلٌ هو.
٥ «أفسَدَ لهُ الّذينَ لَيسوا أولادَهُ عَيبُهُمْ، جيلٌ أعوَجُ مُلتوٍ.
٦ ألرَّبَّ تُكافِئونَ بهذا يا شَعبًا غَبيًّا غَيرَ حَكيمٍ؟ أليس هو أباكَ ومُقتَنيَكَ، هو عَمِلكَ وأنشأكَ؟
٧ اُذكُرْ أيّامَ القِدَمِ، وتأمَّلوا سِني دَوْرٍ فدَوْرٍ. اِسألْ أباكَ فيُخبِرَكَ، وشُيوخَكَ فيقولوا لكَ.
٨ «حينَ قَسَمَ العَليُّ للأُمَمِ، حينَ فرَّقَ بَني آدَمَ، نَصَبَ تُخومًا لشُعوبٍ حَسَبَ عَدَدِ بَني إسرائيلَ.
٩ إنَّ قِسمَ الرَّبِّ هو شَعبُهُ. يعقوبُ حَبلُ نَصيبِهِ.
١٠ وجَدَهُ في أرضِ قَفرٍ، وفي خَلاءٍ مُستَوْحِشٍ خَرِبٍ. أحاطَ بهِ ولاحَظَهُ وصانَهُ كحَدَقَةِ عَينِهِ.
١١ كما يُحَرِّكُ النَّسرُ عُشَّهُ وعلَى فِراخِهِ يَرِفُّ، ويَبسُطُ جَناحَيهِ ويأخُذُها ويَحمِلُها علَى مَناكِبِهِ،
١٢ هكذا الرَّبُّ وحدَهُ اقتادَهُ وليس معهُ إلهٌ أجنَبيٌّ.
١٣ أركَبَهُ علَى مُرتَفَعاتِ الأرضِ فأكلَ ثِمارَ الصَّحراءِ، وأرضَعَهُ عَسَلًا مِنْ حَجَرٍ، وزَيتًا مِنْ صَوّانِ الصَّخرِ،
١٤ وزُبدَةَ بَقَرٍ ولَبَنَ غَنَمٍ، مع شَحمِ خِرافٍ وكِباشٍ أولادِ باشانَ، وتُيوسٍ مع دَسَمِ لُبِّ الحِنطَةِ، ودَمَ العِنَبِ شَرِبتَهُ خمرًا.
١٥ «فسمِنَ يَشورونُ ورَفَسَ. سمِنتَ وغَلُظتَ واكتَسَيتَ شَحمًا! فرَفَضَ الإلهَ الّذي عَمِلهُ، وغَبيَ عن صَخرَةِ خَلاصِهِ.
١٦ أغاروهُ بالأجانِبِ، وأغاظوهُ بالأرجاسِ.
١٧ ذَبَحوا لأوثانٍ لَيسَتِ اللهَ. لآلِهَةٍ لم يَعرِفوها، أحداثٍ قد جاءَتْ مِنْ قريبٍ لم يَرهَبها آباؤُكُمْ.
١٨ الصَّخرُ الّذي ولَدَكَ ترَكتَهُ، ونَسيتَ اللهَ الّذي أبدأكَ.
١٩ «فرأى الرَّبُّ ورَذَلَ مِنَ الغَيظِ بَنيهِ وبَناتِهِ.
٢٠ وقالَ: أحجُبُ وجهي عنهُمْ، وأنظُرُ ماذا تكونُ آخِرَتُهُمْ. إنهُم جيلٌ مُتَقَلِّبٌ، أولادٌ لا أمانَةَ فيهِمْ.
٢١ هُم أغاروني بما ليس إلهًا، أغاظوني بأباطيلِهِمْ. فأنا أُغيرُهُمْ بما ليس شَعبًا، بأُمَّةٍ غَبيَّةٍ أُغيظُهُمْ.
٢٢ إنَّهُ قد اشتَعَلَتْ نارٌ بغَضَبي فتتَّقِدُ إلَى الهاويَةِ السُّفلَى، وتأكُلُ الأرضَ وغَلَّتَها، وتُحرِقُ أُسُسَ الجِبالِ.
٢٣ أجمَعُ علَيهِمْ شُرورًا، وأُنفِذُ سِهامي فيهِمْ،
٢٤ إذ هُم خاوونَ مِنْ جوعٍ، ومَنهوكونَ مِنْ حُمَّى وداءٍ سامٍّ، أُرسِلُ فيهِمْ أنيابَ الوُحوشِ مع حُمَةِ زَواحِفِ الأرضِ.
٢٥ مِنْ خارِجٍ السَّيفُ يُثكِلُ، ومِنْ داخِلِ الخُدورِ الرُّعبَةُ. الفَتَى مع الفَتاةِ والرَّضيعُ مع الأشيَبِ.
٢٦ قُلتُ: أُبَدِّدُهُمْ إلَى الزَّوايا، وأُبَطِّلُ مِنَ النّاسِ ذِكرَهُمْ.
٢٧ لو لم أخَفْ مِنْ إغاظَةِ العَدوِّ، مِنْ أنْ يُنكِرَ أضدادُهُمْ، مِنْ أنْ يقولوا: يَدُنا ارتَفَعَتْ وليس الرَّبُّ فعَلَ كُلَّ هذِهِ.
٢٨ «إنهُم أُمَّةٌ عَديمَةُ الرّأيِ ولا بَصيرَةَ فيهِمْ.
٢٩ لو عَقَلوا لَفَطِنوا بهذِهِ وتأمَّلوا آخِرَتَهُمْ.
٣٠ كيفَ يَطرُدُ واحِدٌ ألفًا، ويَهزِمُ اثنانِ رَبوَةً، لولا أنَّ صَخرَهُمْ باعَهُمْ والرَّبَّ سلَّمَهُم؟
٣١ لأنَّهُ ليس كصَخرِنا صَخرُهُمْ، ولَوْ كانَ أعداؤُنا القُضاةَ.
٣٢ لأنَّ مِنْ جَفنَةِ سدومَ جَفنَتَهُمْ، ومِنْ كُرومِ عَمورَةَ. عِنَبُهُمْ عِنَبُ سمٍّ، ولهُمْ عَناقيدُ مَرارَةٍ.
٣٣ خمرُهُمْ حُمَةُ الثَّعابينِ وسَمُّ الأصلالِ القاتِلُ.
٣٤ «أليس ذلكَ مَكنوزًا عِندي، مَختومًا علَيهِ في خَزائني؟
٣٥ ليَ النَّقمَةُ والجَزاءُ. في وقتٍ تزِلُّ أقدامُهُمْ. إنَّ يومَ هَلاكِهِمْ قريبٌ والمُهَيّآتُ لهُمْ مُسرِعَةٌ.
٣٦ لأنَّ الرَّبَّ يَدينُ شَعبَهُ، وعلَى عَبيدِهِ يُشفِقُ. حينَ يَرَى أنَّ اليَدَ قد مَضَتْ، ولَمْ يَبقَ مَحجوزٌ ولا مُطلَقٌ،
٣٧ يقولُ: أين آلِهَتُهُمُ، الصَّخرَةُ الّتي التَجأوا إليها،
٣٨ الّتي كانتْ تأكُلُ شَحمَ ذَبائحِهِمْ وتَشرَبُ خمرَ سكائبِهِم؟ لتَقُمْ وتُساعِدكُمْ وتَكُنْ علَيكُمْ حِمايَةً!
٣٩ اُنظُروا الآنَ! أنا أنا هو وليس إلهٌ مَعي. أنا أُميتُ وأُحيي. سحَقتُ، وإنّي أشفي، وليس مِنْ يَدي مُخَلِّصٌ.
٤٠ إنّي أرفَعُ إلَى السماءِ يَدي وأقولُ: حَيٌّ أنا إلَى الأبدِ.
٤١ إذا سنَنتُ سيفي البارِقَ، وأمسَكَتْ بالقَضاءِ يَدي، أرُدُّ نَقمَةً علَى أضدادي، وأُجازي مُبغِضيَّ.
٤٢ أُسكِرُ سِهامي بدَمٍ، ويأكُلُ سيفي لَحمًا. بدَمِ القَتلَى والسَّبايا، ومِنْ رؤوسِ قوّادِ العَدوِّ.
٤٣ «تهَلَّلوا أيُّها الأُمَمُ، شَعبُهُ، لأنَّهُ يَنتَقِمُ بدَمِ عَبيدِهِ، ويَرُدُّ نَقمَةً علَى أضدادِهِ، ويَصفَحُ عن أرضِهِ عن شَعبِهِ».
٤٤ فأتَى موسى ونَطَقَ بجميعِ كلِماتِ هذا النَّشيدِ في مَسامِعِ الشَّعبِ، هو ويَشوعُ بنُ نونَ.
٤٥ ولَمّا فرَغَ موسى مِنْ مُخاطَبَةِ جميعِ إسرائيلَ بكُلِّ هذِهِ الكلِماتِ،
٤٦ قالَ لهُمْ: «وجِّهوا قُلوبَكُمْ إلَى جميعِ الكلِماتِ الّتي أنا أشهَدُ علَيكُمْ بها اليومَ، لكَيْ توصوا بها أولادَكُمْ، ليَحرِصوا أنْ يَعمَلوا بجميعِ كلِماتِ هذِهِ التَّوْراةِ.
٤٧ لأنَّها لَيسَتْ أمرًا باطِلًا علَيكُمْ، بل هي حَياتُكُمْ. وبهذا الأمرِ تُطيلونَ الأيّامَ علَى الأرضِ الّتي أنتُمْ عابِرونَ الأُردُنَّ إليها لتَمتَلِكوها».
الرب ينبئ موسى بموته على جبل نبو
٤٨ وكلَّمَ الرَّبُّ موسى في نَفسِ ذلكَ اليومِ قائلًا:
٤٩ «اِصعَدْ إلَى جَبَلِ عَباريمَ هذا، جَبَلِ نَبو الّذي في أرضِ موآبَ الّذي قُبالَةَ أريحا، وانظُرْ أرضَ كنعانَ الّتي أنا أُعطيها لبَني إسرائيلَ مُلكًا،
٥٠ ومُتْ في الجَبَلِ الّذي تصعَدُ إليهِ، وانضَمَّ إلَى قَوْمِكَ، كما ماتَ هارونُ أخوكَ في جَبَلِ هورٍ وضُمَّ إلَى قَوْمِهِ.
٥١ لأنَّكُما خُنتُماني في وسَطِ بَني إسرائيلَ عِندَ ماءِ مَريبَةِ قادَشَ في بَرّيَّةِ صينٍ، إذ لم تُقَدِّساني في وسَطِ بَني إسرائيلَ.
٥٢ فإنَّكَ تنظُرُ الأرضَ مِنْ قُبالَتِها، ولكنكَ لا تدخُلُ إلَى هناكَ إلَى الأرضِ الّتي أنا أُعطيها لبَني إسرائيلَ».
تأمل: تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ
تثنية ٣١-٣٢
"تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ ... لا يُهمِلُكَ ولا يترُكُكَ ... تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ" (تثنية ٣١: ٧ ،٢٣)"
كانت المهمة صعبة على يشوع، إذ سيغيب رجل الله موسى ويكون على يشوع أن يُدخِل الشعب الأرض ويقسمها لهم. فكان على موسى أن يشجعه بأن يتشدد ويتشجع، لأن الله لن يهمله ولن يتركه. والعبارات ذاتها قالها له الرب مرة ثانية بعد موت موسى: "كما كُنتُ مع موسَى أكونُ معكَ. لا أُهمِلُكَ ولا أترُكُكَ. تشَدَّدْ وتَشَجَّعْ" (يشوع ١: ٥ – ٦).
أراد كاتب رسالة العبرانيين أن يشجع المتألمين، فكرّر عليهم بالوحي المقدس العبارة ذاتها التي شجع بها الرب يشوع، وهي لتشجيع المؤمنين على مر العصور: "لتَكُنْ سيرَتُكُمْ خاليَةً مِنْ مَحَبَّةِ المالِ. كونوا مُكتَفينَ بما عِندَكُمْ، لأنَّهُ قالَ: «لا أُهمِلُكَ ولا أترُكُكَ»" (عبرانيين ١٣: ٥). فإذا كان الآباء البشريون المحدودون لا يحتاجون إلى أن يوصيهم أحد بأولادهم ليقوموا بالاهتمام بهم وتسديد احتياجاتهم ورعايتهم، فكم وكم الآب السماوي الذي لا يعطي العطايا الجيدة لأولاده فقط، بل يسهر على حياتهم!
أيوب ١٩: ١ - ٢٩
أيوب ١٩
أيوب
١ فأجابَ أيّوبُ وقالَ:
٢ «حتَّى مَتَى تُعَذِّبونَ نَفسي وتَسحَقونَني بالكلامِ؟
٣ هذِهِ عشَرَ مَرّاتٍ أخزَيتُموني. لم تخجَلوا مِنْ أنْ تحكِروني.
٤ وهَبني ضَلَلتُ حَقًّا. علَيَّ تستَقِرُّ ضَلالَتي!
٥ إنْ كنتُم بالحَقِّ تستَكبِرونَ علَيَّ، فثَبِّتوا علَيَّ عاري.
٦ فاعلَموا إذًا أنَّ اللهَ قد عَوَّجَني، ولَفَّ علَيَّ أُحبولَتَهُ.
٧ ها إنّي أصرُخُ ظُلمًا فلا أُستَجابُ. أدعو وليس حُكمٌ.
٨ قد حَوَّطَ طَريقي فلا أعبُرُ، وعلَى سُبُلي جَعَلَ ظَلامًا.
٩ أزالَ عَنّي كرامَتي ونَزَعَ تاجَ رأسي.
١٠ هَدَمَني مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فذَهَبتُ، وقَلَعَ مِثلَ شَجَرَةٍ رَجائي،
١١ وأضرَمَ علَيَّ غَضَبَهُ، وحَسِبَني كأعدائهِ.
١٢ مَعًا جاءَتْ غُزاتُهُ، وأعَدّوا علَيَّ طريقَهُمْ، وحَلّوا حَوْلَ خَيمَتي.
١٣ قد أبعَدَ عَنّي إخوَتي، ومَعارِفي زاغوا عَنّي.
١٤ أقارِبي قد خَذَلوني، والّذينَ عَرَفوني نَسوني.
١٥ نُزَلاءُ بَيتي وإمائي يَحسِبونَني أجنَبيًّا. صِرتُ في أعيُنِهِمْ غَريبًا.
١٦ عَبدي دَعَوْتُ فلم يُجِبْ. بفَمي تضَرَّعتُ إليهِ.
١٧ نَكهَتي مَكروهَةٌ عِندَ امرأتي، وخَمَمتُ عِندَ أبناءِ أحشائي.
١٨ الأولادُ أيضًا قد رَذَلوني. إذا قُمتُ يتَكلَّمونَ علَيَّ.
١٩ كرِهَني كُلُّ رِجالي، والّذينَ أحبَبتُهُمُ انقَلَبوا علَيَّ.
٢٠ عَظمي قد لَصِقَ بجِلدي ولَحمي، ونَجَوْتُ بجِلدِ أسناني.
٢١ تراءَفوا، تراءَفوا أنتُمْ علَيَّ يا أصحابي، لأنَّ يَدَ اللهِ قد مَسَّتني.
٢٢ لماذا تُطارِدونَني كما اللهُ، ولا تشبَعونَ مِنْ لَحمي؟
٢٣ «لَيتَ كلِماتي الآنَ تُكتَبُ. يا لَيتَها رُسِمَتْ في سِفرٍ،
٢٤ ونُقِرَتْ إلَى الأبدِ في الصَّخرِ بقَلَمِ حَديدٍ وبرَصاصٍ.
٢٥ أمّا أنا فقد عَلِمتُ أنَّ وليّي حَيٌّ، والآخِرَ علَى الأرضِ يَقومُ،
٢٦ وبَعدَ أنْ يُفنَى جِلدي هذا، وبدونِ جَسَدي أرَى اللهَ.
٢٧ الّذي أراهُ أنا لنَفسي، وعَينايَ تنظُرانِ وليس آخَرُ. إلَى ذلكَ تتوقُ كُليَتايَ في جَوْفي.
٢٨ فإنَّكُمْ تقولونَ: لماذا نُطارِدُهُ؟ والكلامُ الأصليُّ يوجَدُ عِندي.
٢٩ خافوا علَى أنفُسِكُمْ مِنَ السَّيفِ، لأنَّ الغَيظَ مِنْ آثامِ السَّيفِ. لكَيْ تعلَموا ما هو القَضاءُ».