متى ١٣: ٢٤ - ٥٨
متى ١٣
مَثَل القمح والزَّوان
٢٤ قَدَّمَ لهُمْ مَثَلًا آخَرَ قائلًا: «يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا زَرَعَ زَرعًا جَيِّدًا في حَقلِهِ.
٢٥ وفيما النّاسُ نيامٌ جاءَ عَدوُّهُ وزَرَعَ زَوانًا في وسطِ الحِنطَةِ ومَضَى.
٢٦ فلَمّا طَلَعَ النَّباتُ وصَنَعَ ثَمَرًا، حينَئذٍ ظَهَرَ الزَّوانُ أيضًا.
٢٧ فجاءَ عَبيدُ رَبِّ البَيتِ وقالوا لهُ: يا سيِّدُ، أليس زَرعًا جَيِّدًا زَرَعتَ في حَقلِكَ؟ فمِنْ أين لهُ زَوانٌ؟
٢٨ فقالَ لهُمْ: إنسانٌ عَدوٌّ فعَلَ هذا. فقالَ لهُ العَبيدُ: أتُريدُ أنْ نَذهَبَ ونَجمَعَهُ؟
٢٩ فقالَ: لا! لئَلّا تقلَعوا الحِنطَةَ مع الزَّوانِ وأنتُمْ تجمَعونَهُ.
٣٠ دَعوهُما يَنميانِ كِلاهُما مَعًا إلَى الحَصادِ، وفي وقتِ الحَصادِ أقولُ للحَصّادينَ: اجمَعوا أوَّلًا الزَّوانَ واحزِموهُ حُزَمًا ليُحرَقَ، وأمّا الحِنطَةَ فاجمَعوها إلَى مَخزَني».
مَثَل حبة الخردل ومَثَل الخميرة
٣١ قَدَّمَ لهُمْ مَثَلًا آخَرَ قائلًا: «يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ حَبَّةَ خَردَلٍ أخَذَها إنسانٌ وزَرَعَها في حَقلِهِ،
٣٢ وهي أصغَرُ جميعِ البُزورِ. ولكن مَتَى نَمَتْ فهي أكبَرُ البُقول، وتَصيرُ شَجَرَةً، حتَّى إنَّ طُيورَ السماءِ تأتي وتَتآوَى في أغصانِها».
٣٣ قالَ لهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ خَميرَةً أخَذَتها امرأةٌ وخَبّأتها في ثَلاثَةِ أكيالِ دَقيقٍ حتَّى اختَمَرَ الجميعُ».
٣٤ هذا كُلُّهُ كلَّمَ بهِ يَسوعُ الجُموعَ بأمثالٍ، وبدونِ مَثَلٍ لم يَكُنْ يُكلِّمُهُمْ،
٣٥ لكَيْ يتِمَّ ما قيلَ بالنَّبيِّ القائلِ: «سأفتَحُ بأمثالٍ فمي، وأنطِقُ بمَكتوماتٍ منذُ تأسيسِ العالَمِ».
تفسير مَثَل القمح والزَّوان
٣٦ حينَئذٍ صَرَفَ يَسوعُ الجُموعَ وجاءَ إلَى البَيتِ. فتقَدَّمَ إليهِ تلاميذُهُ قائلينَ: «فسِّرْ لنا مَثَلَ زَوانِ الحَقلِ».
٣٧ فأجابَ وقالَ لهُمْ: «الزّارِعُ الزَّرعَ الجَيِّدَ هو ابنُ الإنسانِ.
٣٨ والحَقلُ هو العالَمُ. والزَّرعُ الجَيِّدُ هو بَنو الملكوتِ. والزَّوانُ هو بَنو الشِّرّيرِ.
٣٩ والعَدوُّ الّذي زَرَعَهُ هو إبليسُ. والحَصادُ هو انقِضاءُ العالَمِ. والحَصّادونَ هُمُ المَلائكَةُ.
٤٠ فكما يُجمَعُ الزَّوانُ ويُحرَقُ بالنّارِ، هكذا يكونُ في انقِضاءِ هذا العالَمِ:
٤١ يُرسِلُ ابنُ الإنسانِ مَلائكَتَهُ فيَجمَعونَ مِنْ ملكوتِهِ جميعَ المَعاثِرِ وفاعِلي الإثمِ،
٤٢ ويَطرَحونَهُمْ في أتونِ النّارِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ.
٤٣ حينَئذٍ يُضيءُ الأبرارُ كالشَّمسِ في ملكوتِ أبيهِمْ. مَنْ لهُ أُذُنانِ للسَّمعِ، فليَسمَعْ.
أمثلة الكنز واللؤلؤة والشبكة
٤٤ «أيضًا يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ كنزًا مُخفًى في حَقلٍ، وجَدَهُ إنسانٌ فأخفاهُ. ومِنْ فرَحِهِ مَضَى وباعَ كُلَّ ما كانَ لهُ واشتَرَى ذلكَ الحَقلَ.
٤٥ أيضًا يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا تاجِرًا يَطلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً،
٤٦ فلَمّا وجَدَ لؤلؤَةً واحِدَةً كثيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وباعَ كُلَّ ما كانَ لهُ واشتَراها.
٤٧ أيضًا يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ شَبَكَةً مَطروحَةً في البحرِ، وجامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ.
٤٨ فلَمّا امتَلأتْ أصعَدوها علَى الشّاطِئ، وجَلَسوا وجَمَعوا الجيادَ إلَى أوعيَةٍ، وأمّا الأردياءُ فطَرَحوها خارِجًا.
٤٩ هكذا يكونُ في انقِضاءِ العالَمِ: يَخرُجُ المَلائكَةُ ويُفرِزونَ الأشرارَ مِنْ بَينِ الأبرارِ،
٥٠ ويَطرَحونَهُمْ في أتونِ النّارِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ».
٥١ قالَ لهُمْ يَسوعُ: «أفَهِمتُمْ هذا كُلَّهُ؟». فقالوا: «نَعَمْ، يا سيِّدُ».
٥٢ فقالَ لهُمْ: «مِنْ أجلِ ذلكَ كُلُّ كاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ في ملكوتِ السماواتِ يُشبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِنْ كنزِهِ جُدُدًا وعُتَقاءَ».
٥٣ ولَمّا أكمَلَ يَسوعُ هذِهِ الأمثالَ انتَقَلَ مِنْ هناكَ.
الناصرة ترفض يسوع
٥٤ ولَمّا جاءَ إلَى وطَنِهِ كانَ يُعَلِّمُهُمْ في مَجمَعِهِمْ حتَّى بُهِتوا وقالوا: «مِنْ أين لهذا هذِهِ الحِكمَةُ والقوّاتُ؟
٥٥ أليس هذا ابنَ النَّجّارِ؟ أليستْ أُمُّهُ تُدعَى مَريَمَ، وإخوَتُهُ يعقوبَ ويوسي وسِمعانَ ويَهوذا؟
٥٦ أوَلَيسَتْ أخَواتُهُ جميعُهُنَّ عِندَنا؟ فمِنْ أين لهذا هذِهِ كُلُّها؟».
٥٧ فكانوا يَعثُرونَ بهِ. وأمّا يَسوعُ فقالَ لهُمْ: «ليس نَبيٌّ بلا كرامَةٍ إلّا في وطَنِهِ وفي بَيتِهِ».
٥٨ ولَمْ يَصنَعْ هناكَ قوّاتٍ كثيرَةً لعَدَمِ إيمانِهِمْ.
تأمل: وبدون مثل لم يكن يكلمهم
متى ١٣: ٢٤-٥٨
يقول الكتاب: «بالإجماع عظيمٌ هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد» (تيموثاوس الأولى ٣: ١٦). الرب جاء متضعًا، فاقترب منا واقتربنا منه. لم يتكلَّم بلغة الملائكة (كورنثوس الأولى ١٣: ١)، لأننا لا نفهمها. ولم يتكلَّم بلغة الفردوس (كورنثوس الثانية ١٢: ٤)، التي لم يجد الرسول بولس ما يعبِّر عمَّا سمعه فيها، وقال: "لا يسوغ لإنسان أن يتكلَّم (على الأرض) بها." لكن الرب تكلَّم اللغة التي نفهمها وبالأسلوب الذي نفهمه. فما أكثر الأمثال التي نطق بها، والتي هي من وحي البيئة والمجتمع الذي عاش فيه! فمرة قال لهم: «هوذا الزارع قد خرج ليزرع» (لوقا ٨: ٥)، وكانوا يرون في بيئتهم الزارع وهو يزرع فعلاً. لقد نجح الرب في التواصل مع البشر، فهل نتعلم من الرب هذا الدرس ونتجسَّد لمَن نريد أن نتواصل معهم.
فكآباء نتجسَّد للتواصل مع أولادنا؛ نفهم عالمهم، ونفهم لغتهم ونتكلَّم بها معهم. وكخدَّام نحتاج أن نتجسَّد لنتواصل مع المخدومين. لكننا إن تكلمنا بلغة غير مفهومة عند السامع، يكون حالنا ما قاله الكتاب: «فإن كنت لا أعرف قوة اللغة أكون عند المتكلِّم أعجميًّا، والمتكلِّم أعجميًّا عندي» (كورنثوس الأولى ١٤: ١١). فليتنا نتعلَّم من الرب الذي قدم التعليم بطريقة بسيطة يفهمها الطفل، مثلما يفهمها الشيخ. وذكر الكتاب عنه: «وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلِّمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا» (مرقس ٤: ٣٣). فمع قدرته أن يتكلَّم كلامًا ساميًا جدًا، لكنه حرص على أن يكون كلامه بسيطًا، يحوي أعمق الحقائق بأبسط العبارات.
العدد ١١: ١ إلى ١٢: ١٦
العدد ١١
نار من قِبَلِ الرب
١ وكانَ الشَّعبُ كأنَّهُمْ يَشتَكونَ شَرًّا في أُذُنَيِ الرَّبِّ. وسَمِعَ الرَّبُّ فحَميَ غَضَبُهُ، فاشتَعَلَتْ فيهِمْ نارُ الرَّبِّ وأحرَقَتْ في طَرَفِ المَحَلَّةِ.
٢ فصَرَخَ الشَّعبُ إلَى موسى، فصَلَّى موسى إلَى الرَّبِّ فخَمَدَتِ النّارُ.
٣ فدُعيَ اسمُ ذلكَ المَوْضِعِ «تبعيرَةَ» لأنَّ نارَ الرَّبِّ اشتَعَلَتْ فيهِمْ.
سلوى من عند الرب
٤ واللَّفيفُ الّذي في وسَطِهِمِ اشتَهَى شَهوَةً. فعادَ بَنو إسرائيلَ أيضًا وبَكَوْا وقالوا: «مَنْ يُطعِمُنا لَحمًا؟
٥ قد تذَكَّرنا السَّمَكَ الّذي كُنّا نأكُلُهُ في مِصرَ مَجّانًا، والقِثّاءَ والبَطّيخَ والكُرّاثَ والبَصَلَ والثّومَ.
٦ والآنَ قد يَبِسَتْ أنفُسُنا. ليس شَيءٌ غَيرَ أنَّ أعيُنَنا إلَى هذا المَنِّ!».
٧ وأمّا المَنُّ فكانَ كبِزرِ الكُزبَرَةِ، ومَنظَرُهُ كمَنظَرِ المُقلِ.
٨ كانَ الشَّعبُ يَطوفونَ ليَلتَقِطوهُ، ثُمَّ يَطحَنونَهُ بالرَّحَى أو يَدُقّونَهُ في الهاوَنِ ويَطبُخونَهُ في القُدورِ ويَعمَلونَهُ مَلّاتٍ. وكانَ طَعمُهُ كطَعمِ قَطائفَ بزَيتٍ.
٩ ومَتَى نَزَلَ النَّدَى علَى المَحَلَّةِ ليلًا كانَ يَنزِلُ المَنُّ معهُ.
١٠ فلَمّا سمِعَ موسى الشَّعبَ يَبكونَ بعَشائرِهِمْ، كُلَّ واحِدٍ في بابِ خَيمَتِهِ، وحَميَ غَضَبُ الرَّبِّ جِدًّا، ساءَ ذلكَ في عَينَيْ موسى.
١١ فقالَ موسى للرَّبِّ: «لماذا أسأتَ إلَى عَبدِكَ؟ ولِماذا لم أجِدْ نِعمَةً في عَينَيكَ حتَّى أنَّكَ وضَعتَ ثِقلَ جميعِ هذا الشَّعبِ علَيَّ؟
١٢ ألَعَلّي حَبِلتُ بجميعِ هذا الشَّعبِ؟ أو لَعَلّي ولَدتُهُ، حتَّى تقولَ لي احمِلهُ في حِضنِكَ كما يَحمِلُ المُرَبّي الرَّضيعَ، إلَى الأرضِ الّتي حَلَفتَ لآبائهِ؟
١٣ مِنْ أين لي لَحمٌ حتَّى أُعطيَ جميعَ هذا الشَّعبِ؟ لأنَّهُمْ يَبكونَ علَيَّ قائلينَ: أعطِنا لَحمًا لنأكُلَ.
١٤ لا أقدِرُ أنا وحدي أنْ أحمِلَ جميعَ هذا الشَّعبِ لأنَّهُ ثَقيلٌ علَيَّ.
١٥ فإنْ كُنتَ تفعَلُ بي هكذا، فاقتُلني قَتلًا إنْ وجَدتُ نِعمَةً في عَينَيكَ، فلا أرَى بَليَّتي».
١٦ فقالَ الرَّبُّ لموسى: «اجمَعْ إلَيَّ سبعينَ رَجُلًا مِنْ شُيوخِ إسرائيلَ الّذينَ تعلَمُ أنهُم شُيوخُ الشَّعبِ وعُرَفاؤُهُ، وأقبِلْ بهِمْ إلَى خَيمَةِ الِاجتِماعِ فيَقِفوا هناكَ معكَ.
١٧ فأنزِلَ أنا وأتَكلَّمَ معكَ هناكَ، وآخُذَ مِنَ الرّوحِ الّذي علَيكَ وأضَعَ علَيهِمْ، فيَحمِلونَ معكَ ثِقلَ الشَّعبِ، فلا تحمِلُ أنتَ وحدَكَ.
١٨ ولِلشَّعبِ تقولُ: تقَدَّسوا للغَدِ فتأكُلوا لَحمًا، لأنَّكُمْ قد بَكَيتُمْ في أُذُنَيِ الرَّبِّ قائلينَ: مَنْ يُطعِمُنا لَحمًا؟ إنَّهُ كانَ لنا خَيرٌ في مِصرَ. فيُعطيكُمُ الرَّبُّ لَحمًا فتأكُلونَ.
١٩ تأكُلونَ لا يومًا واحِدًا، ولا يومَينِ، ولا خَمسَةَ أيّامٍ، ولا عشَرَةَ أيّامٍ، ولا عِشرينَ يومًا،
٢٠ بل شَهرًا مِنَ الزَّمانِ، حتَّى يَخرُجَ مِنْ مَناخِرِكُمْ، ويَصيرَ لكُمْ كراهَةً، لأنَّكُمْ رَفَضتُمُ الرَّبَّ الّذي في وسَطِكُمْ وبَكَيتُمْ أمامَهُ قائلينَ: لماذا خرجنا مِنْ مِصرَ؟»
٢١ فقالَ موسى: «سِتُّ مِئَةِ ألفِ ماشٍ هو الشَّعبُ الّذي أنا في وسَطِهِ، وأنتَ قد قُلتَ: أُعطيهِمْ لَحمًا ليأكُلوا شَهرًا مِنَ الزَّمانِ.
٢٢ أيُذبَحُ لهُمْ غَنَمٌ وبَقَرٌ ليَكفيَهُمْ؟ أم يُجمَعُ لهُمْ كُلُّ سمَكِ البحرِ ليَكفيَهُم؟»
٢٣ فقالَ الرَّبُّ لموسى: «هل تقصُرُ يَدُ الرَّبِّ؟ الآنَ ترَى أيوافيكَ كلامي أم لا».
٢٤ فخرجَ موسى وكلَّمَ الشَّعبَ بكلامِ الرَّبِّ، وجَمَعَ سبعينَ رَجُلًا مِنْ شُيوخِ الشَّعبِ وأوقَفَهُمْ حَوالَيِ الخَيمَةِ.
٢٥ فنَزَلَ الرَّبُّ في سحابَةٍ وتَكلَّمَ معهُ، وأخَذَ مِنَ الرّوحِ الّذي علَيهِ وجَعَلَ علَى السَّبعينَ رَجُلًا الشُّيوخَ. فلَمّا حَلَّتْ علَيهِمِ الرّوحُ تنَبّأوا، ولكنهُمْ لم يَزيدوا.
٢٦ وبَقيَ رَجُلانِ في المَحَلَّةِ، اسمُ الواحِدِ ألدادُ، واسمُ الآخَرِ ميدادُ، فحَلَّ علَيهِما الرّوحُ. وكانا مِنَ المَكتوبينَ، لكنهُما لم يَخرُجا إلَى الخَيمَةِ، فتنَبّآ في المَحَلَّةِ.
٢٧ فرَكَضَ غُلامٌ وأخبَرَ موسى وقالَ: «ألدادُ وميدادُ يتَنَبّآنِ في المَحَلَّةِ».
٢٨ فأجابَ يَشوعُ بنُ نونَ خادِمُ موسى مِنْ حَداثَتِهِ وقالَ: «يا سيِّدي موسى، اردَعهُما!»
٢٩ فقالَ لهُ موسى: «هل تغارُ أنتَ لي؟ يا لَيتَ كُلَّ شَعبِ الرَّبِّ كانوا أنبياءَ إذا جَعَلَ الرَّبُّ روحَهُ علَيهِمْ».
٣٠ ثُمَّ انحازَ موسى إلَى المَحَلَّةِ هو وشُيوخُ إسرائيلَ.
٣١ فخرجَتْ ريحٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وساقَتْ سلوَى مِنَ البحرِ وألقَتها علَى المَحَلَّةِ، نَحوَ مَسيرَةِ يومٍ مِنْ هنا ومَسيرَةِ يومٍ مِنْ هناكَ، حَوالَيِ المَحَلَّةِ، ونَحوَ ذِراعَينِ فوقَ وجهِ الأرضِ.
٣٢ فقامَ الشَّعبُ كُلَّ ذلكَ النَّهارِ، وكُلَّ اللَّيلِ وكُلَّ يومِ الغَدِ وجَمَعوا السَّلوَى. الّذي قَلَّلَ جَمَعَ عشَرَةَ حَوامِرَ. وسَطَّحوها لهُمْ مَساطِحَ حَوالَيِ المَحَلَّةِ.
٣٣ وإذ كانَ اللَّحمُ بَعدُ بَينَ أسنانِهِمْ قَبلَ أنْ يَنقَطِعَ، حَميَ غَضَبُ الرَّبِّ علَى الشَّعبِ، وضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعبَ ضَربَةً عظيمَةً جِدًّا.
٣٤ فدُعيَ اسمُ ذلكَ المَوْضِعِ «قَبَروتَ هَتّأوَةَ» لأنَّهُمْ هناكَ دَفَنوا القَوْمَ الّذينَ اشتَهَوْا.
٣٥ ومِنْ قَبَروتَ هَتّأوَةَ ارتَحَلَ الشَّعبُ إلَى حَضَيروتَ، فكانوا في حَضَيروتَ.
العدد ١٢
مريم وهارون ينتقدان موسى
١ وتَكلَّمَتْ مَريَمُ وهارونُ علَى موسى بسَبَبِ المَرأةِ الكوشيَّةِ الّتي اتَّخَذَها، لأنَّهُ كانَ قد اتَّخَذَ امرأةً كوشيَّةً.
٢ فقالا: «هل كلَّمَ الرَّبُّ موسى وحدَهُ؟ ألَمْ يُكلِّمنا نَحنُ أيضًا؟» فسمِعَ الرَّبُّ.
٣ وأمّا الرَّجُلُ موسى فكانَ حَليمًا جِدًّا أكثَرَ مِنْ جميعِ النّاسِ الّذينَ علَى وجهِ الأرضِ.
٤ فقالَ الرَّبُّ حالًا لموسى وهارونَ ومَريَمَ: «اخرُجوا أنتُمُ الثَّلاثَةُ إلَى خَيمَةِ الِاجتِماعِ». فخرجوا هُمُ الثَّلاثَةُ.
٥ فنَزَلَ الرَّبُّ في عَمودِ سحابٍ ووقَفَ في بابِ الخَيمَةِ، ودَعا هارونَ ومَريَمَ فخرجا كِلاهُما.
٦ فقالَ: «اسمَعا كلامي. إنْ كانَ مِنكُمْ نَبيٌّ للرَّبِّ، فبالرّؤيا أستَعلِنُ لهُ. في الحُلمِ أُكلِّمُهُ.
٧ وأمّا عَبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمينٌ في كُلِّ بَيتي.
٨ فمًا إلَى فمٍ وعَيانًا أتَكلَّمُ معهُ، لا بالألغازِ. وشِبهَ الرَّبِّ يُعايِنُ. فلماذا لا تخشَيانِ أنْ تتَكلَّما علَى عَبدي موسى؟».
٩ فحَميَ غَضَبُ الرَّبِّ علَيهِما ومَضَى.
١٠ فلَمّا ارتَفَعَتِ السَّحابَةُ عن الخَيمَةِ إذا مَريَمُ بَرصاءُ كالثَّلجِ. فالتَفَتَ هارونُ إلَى مَريَمَ وإذا هي بَرصاءُ.
١١ فقالَ هارونُ لموسى: «أسألُكَ يا سيِّدي، لا تجعَلْ علَينا الخَطيَّةَ الّتي حَمِقنا وأخطأنا بها.
١٢ فلا تكُنْ كالمَيتِ الّذي يكونُ عِندَ خُروجِهِ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ قد أُكِلَ نِصفُ لَحمِهِ».
١٣ فصَرَخَ موسى إلَى الرَّبِّ قائلًا: «اللَّهُمَّ اشفِها».
١٤ فقالَ الرَّبُّ لموسى: «ولَوْ بَصَقَ أبوها بَصقًا في وجهِها، أما كانتْ تخجَلُ سبعَةَ أيّامٍ؟ تُحجَزُ سبعَةَ أيّامٍ خارِجَ المَحَلَّةِ، وبَعدَ ذلكَ تُرجَعُ».
١٥ فحُجِزَتْ مَريَمُ خارِجَ المَحَلَّةِ سبعَةَ أيّامٍ، ولَمْ يَرتَحِلِ الشَّعبُ حتَّى أُرجِعَتْ مَريَمُ.
١٦ وبَعدَ ذلكَ ارتَحَلَ الشَّعبُ مِنْ حَضَيروتَ ونَزَلوا في بَرّيَّةِ فارانَ.
الجامعة ٨: ١ - ١٧
الجامعة ٨
١ مَنْ كالحَكيمِ؟ ومَنْ يَفهَمُ تفسيرَ أمرٍ؟ حِكمَةُ الإنسانِ تُنيرُ وجهَهُ، وصَلابَةُ وجهِهِ تتَغَيَّرُ.
أطيعوا الملك
٢ أنا أقولُ: احفَظْ أمرَ المَلِكِ، وذاكَ بسَبَبِ يَمينِ اللهِ.
٣ لا تعجَلْ إلَى الذَّهابِ مِنْ وجهِهِ. لا تقِفْ في أمرٍ شاقٍّ، لأنَّهُ يَفعَلُ كُلَّ ما شاءَ.
٤ حَيثُ تكونُ كلِمَةُ المَلِكِ فهناكَ سُلطانٌ. ومَنْ يقولُ لهُ: «ماذا تفعَلُ؟».
٥ حافِظُ الوَصيَّةِ لا يَشعُرُ بأمرٍ شاقٍّ، وقَلبُ الحَكيمِ يَعرِفُ الوقتَ والحُكمَ.
٦ لأنَّ لكُلِّ أمرٍ وقتًا وحُكمًا. لأنَّ شَرَّ الإنسانِ عظيمٌ علَيهِ،
٧ لأنَّهُ لا يَعلَمُ ما سيكونُ. لأنَّهُ مَنْ يُخبِرُهُ كيفَ يكونُ؟
٨ ليس لإنسانٍ سُلطانٌ علَى الرّوحِ ليُمسِكَ الرّوحَ، ولا سُلطانٌ علَى يومِ الموتِ، ولا تخليَةٌ في الحَربِ، ولا يُنَجّي الشَّرُّ أصحابَهُ.
٩ كُلُّ هذا رأيتُهُ إذ وجَّهتُ قَلبي لكُلِّ عَمَلٍ عُمِلَ تحتَ الشَّمسِ، وقتَما يتَسَلَّطُ إنسانٌ علَى إنسانٍ لضَرَرِ نَفسِهِ.
١٠ وهكذا رأيتُ أشرارًا يُدفَنونَ وضُمّوا، والّذينَ عَمِلوا بالحَقِّ ذَهَبوا مِنْ مَكانِ القُدسِ ونُسوا في المدينةِ. هذا أيضًا باطِلٌ.
١١ لأنَّ القَضاءَ علَى العَمَلِ الرَّديءِ لا يُجرَى سريعًا، فلذلكَ قد امتَلأ قَلبُ بَني البَشَرِ فيهِمْ لفَعلِ الشَّرِّ.
١٢ الخاطِئُ وإنْ عَمِلَ شَرًّا مِئَةَ مَرَّةٍ وطالَتْ أيّامُهُ، إلّا أنّي أعلَمُ أنَّهُ يكونُ خَيرٌ للمُتَّقينَ اللهَ الّذينَ يَخافونَ قُدّامَهُ.
١٣ ولا يكونُ خَيرٌ للشِّرّيرِ، وكالظِّلِّ لا يُطيلُ أيّامَهُ لأنَّهُ لا يَخشَى قُدّامَ اللهِ.
١٤ يوجَدُ باطِلٌ يُجرَى علَى الأرضِ: أنْ يوجَدَ صِدّيقونَ يُصيبُهُمْ مِثلَ عَمَلِ الأشرارِ، ويوجَدُ أشرارٌ يُصيبُهُمْ مِثلَ عَمَلِ الصِّدّيقينَ. فقُلتُ: إنَّ هذا أيضًا باطِلٌ.
١٥ فمَدَحتُ الفَرَحَ، لأنَّهُ ليس للإنسانِ خَيرٌ تحتَ الشَّمسِ، إلّا أنْ يأكُلَ ويَشرَبَ ويَفرَحَ، وهذا يَبقَى لهُ في تعَبِهِ مُدَّةَ أيّامِ حَياتِهِ الّتي يُعطيهِ اللهُ إيّاها تحتَ الشَّمسِ.
١٦ لَمّا وجَّهتُ قَلبي لأعرِفَ الحِكمَةَ، وأنظُرَ العَمَلَ الّذي عُمِلَ علَى الأرضِ، وأنَّهُ نهارًا وليلًا لا يَرَى النَّوْمَ بعَينَيهِ،
١٧ رأيتُ كُلَّ عَمَلِ اللهِ أنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ أنْ يَجِدَ العَمَلَ الّذي عُمِلَ تحتَ الشَّمسِ. مَهما تعِبَ الإنسانُ في الطَّلَبِ فلا يَجِدُهُ، والحَكيمُ أيضًا، وإنْ قالَ بمَعرِفَتِهِ، لا يَقدِرُ أنْ يَجِدَهُ.