الرسائل اليومية
تأمل: زَمَنُ الحُبِّ
حزقيال ١٦
في هذا الأصحاح، يضع لنا الرب صورة مجازية عن ما قدمه لشعبه في القديم من رحمة ومحبة وإحسان فلم يجد من هذا الشعب سوى الخيانة والتمرد، فيصف أورشليم بالطفلة المولودة حديثًا، عارية ومطروحة على وجه الحقل، ولم يشفق عليها أحد. لكن الرب مرَّ عليها وأمر لها بالحياة، فعاشت وكبرت وأصبحت امرأة ناضجة. ثم مر عليها مرة أخرى وأحبها، فغسلها وكساها وقطع معها عهدًا، وألبسها أحلى الثياب والحلي، حتى ذاع صيت جمالها بين الأمم (١:١٦-١٤). لكنها في المقابل خانت الرب وزنت مع كل عابر سبيل، وعلى جميع المرتفعات، وقدَّمت الطعام الذي أعطاها الرب للآلهة الوثنية، وزيَّنت الأصنام بالملابس والحلي التي أعطاها إياهم. وذبحت بني الرب وأوقدتهم في النار للآلهة. (ع ١٥-٢٦)
يقول الرب: "وفي كُلِّ رَجاساتِكِ وزِناكِ لَمْ تذكُري أيّامَ صِباكِ، إذ كُنتِ عُريانَةً وعاريَةً وكُنتِ مَدوسةً بدَمِكِ... ويلٌ، ويلٌ لكِ! يقولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ." (ع ٢٢، ٢٣). لسنا اليوم أفضل من شعب الرب قديمًا، وهذه الأوصاف التي وصفت بها هذه المولودة بكراهة نفسها تنطبق علينا نحن أيضًا. فنحن مولودين بالذنوب والخطايا، ومحكوم علينا بالموت الأبدي في الجحيم، وبالطبيعة أبناء المعصية وأبناء الغضب؛ لكن "اللهُ الّذي هو غَنيٌّ في الرَّحمَةِ، مِنْ أجلِ مَحَبَّتِهِ الكَثيرَةِ الّتي أحَبَّنا بها، ونَحنُ أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المَسيحِ -بِالنِّعمَةِ أنتُمْ مُخَلَّصونَ- وأقامَنا معهُ، وأجلَسَنا معهُ في السماويّاتِ في المَسيحِ يَسوعَ، ليُظهِرَ في الدُّهورِ الآتيَةِ غِنَى نِعمَتِهِ الفائقَ، باللُّطفِ علَينا في المَسيحِ يَسوعَ." (أفسس٤:٢-٧). علينا ألا ننسى ما فعله الرب معنا، والنعمة التي نحن فيها مقيمون (رومية٢:٥). وعلينا أن نشكر الرب على أنه قد دخل معنا في عهد، ونظل مقدسين مُكرسين له.
"فمَرَرتُ بكِ ورأيتُكِ، وإذا زَمَنُكِ زَمَنُ الحُبِّ.." (ع ٨)
تأمل: اثبُتوا في الحُرّيَّةِ
غلاطية ١:٥-١٥
نادى البعض في كنائس غلاطية بأهمية التقيد بمتطلبات الشريعة اليهودية حتى بعد إيمانهم بالسيد المسيح، فعلَّموا عن ضرورة الختان وإتمام أعمال الناموس. هذا الأمر أزعج الرسول بولس بشدة، فتحدث إليهم في هذا الأصحاح عن "الحُرّيَّةِ الّتي قد حَرَّرَنا المَسيحُ بها" (ع ١)، تلك الحرية التي تحرر من قيود التدين الشكلي (ع ٢) وأيضًا من دينونة أحكام الناموس التي فشلوا في الالتزام بها. لذلك فإنَّنا بالرّوحِ مِنَ الإيمانِ نَتَوَقَّعُ رَجاءَ برٍّ (ع ٥). ولا يكون هذا الإيمان فعالًا أو حقيقيًا إن لم يكن عاملًا بالمحبة، أي أن لابد أن يكون لهذا الإيمان أعمال تبرهنه، وهذه الأعمال ليست لأرضاء أنفسنا أو لننال إعجاب ورضا الناس لكن الأساس والدافع الوحيد لتلك الأعمال هو "المحبة" (ع ٦).
وإن كانت الحرية في مفهوم العالم معناها أن أسلك كيفما أشاء لأحصل على ما أريد، فالرسول بولس يقول عن الحرية الحقيقية التي حررنا المسيح بها: "لا تُصَيِّروا الحُرّيَّةَ فُرصَةً للجَسَدِ، بل بالمَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكُمْ بَعضًا." (ع ١٣). أي أنها الحرية المسئولة، الحرية المعطاءة والخادمة للآخرين، حرية التحرر من شهوات الجسد.
يا رب نشكرك لأجل الحرية التي وهبتها لنا، ساعدنا أن نثبت في الحرية التي حررتنا بها فنتحرر من ضعفاتنا وشهواتنا ونخدم بعضنا البعض بالمحبة. آمين.
تأمل: لا ترتَعِبوا ولا ترتاعوا
إشعياء ٤٤
في هذه الأيام يعيش الكثيرون في حالة من الخوف ربما تصل إلى الرعب، وأصبح القلق هو سمة العصر في العالم أجمع. وتتنوع أسباب الخوف في حياة الناس، فكثير من الناس، على سبيل المثال، يخشون الأوبئة والأمراض المنتشرة، ويخافون من أن ينقطع رزقهم أو ألا تُسدد احتياجاتهم. ومن منا لا يواجه مثل هذه المخاوف من حين إلى آخر؟! لكننا نجد هذه الكلمات المشجعة والمعزية: "لا ترتَعِبوا ولا ترتاعوا". وأسباب عدم الخوف لا ترتبط بوجود الأخطار حولنا من عدمه لكنه مرتبط بأسباب واضحة وهي أن الله:
- هو الخالق المعين (ع ٢)
- هو الواهب والمعطي (ع ٣)
- هو الأول و الآخر، لا إله غيره ولا مثل له. (ع ٧،٦)
- لا ينسانا (ع ٢١)
- هو الماحي الذنوب وغافر الخطايا (ع ٢٢)
نعم نحن نعيش في عالم مضطرب وغير مستقر، وتتلاحق الأحداث المؤلمة والأخبار المقلقة كل يوم؛ لكننا ينبغي أن نتذكر أننا نعبد إله عظيم لا مثل له. لذلك، فلنتمسك بوعده لنا: " سلامًا أترُكُ لكُمْ. سلامي أُعطيكُمْ. ليس كما يُعطي العالَمُ أُعطيكُمْ أنا. لا تضطَرِبْ قُلوبُكُمْ ولا ترهَبْ." (يوحنا ٢٧:١٤)
تأمل: صانِعٌ أمرًا جديدًا
إشعياء ٤٣
كشرقيين نميل كثيرًا إلى الماضي ويملأنا الحنين إليه. وبالتأكيد هناك أهمية شديدة للتعلم من الخبرات السابقة سواء في حياتنا أو في حياة الآخرين، كما أننا عندما نتأمل في ماضينا نتذكر رعاية الله لنا كل هذه السنين ولا ننسى كل حسناته (مزمور ١:١٠٣-٥). لكننا في أحيان كثيرة نظل أسرى للماضي، إذ تظل خبراتنا السيئة وأخطائنا وخطايانا سجنًا نعيش فيه ولا نستطيع أن نتحرر منه. أو ربما نكتفي بما حققناه في الماضي من نجاحات وإنجازات فلا نطمح لما هو أفضل وأعظم. وهذا ما قاله الرب لشعبه في هذه الكلمات قائلًا: "لا تذكُروا الأوَّليّاتِ، والقَديماتُ لا تتأمَّلوا بها" (ع ١٨). ربما لأن الشعب ظن أنه سيبقى في حالة الضعف والسبي إلى الأبد، أو ربما لأنهم اكتفوا بأمجاد الماضي، لذلك يقول لهم الرب: "هأنَذا صانِعٌ أمرًا جديدًا. الآنَ يَنبُتُ. ألا تعرِفونَهُ؟" (ع ١٩). فالرب له الماضي والحاضر والمستقبل أيضًا، فهو يرعانا بذراع قديرة (ع ١-٣)، وأحبنا وخلصنا (ع ٤،٣)، وهو الماحي ذنوبنا والغافر خطايانا (ع ٢٥).
رسالة الله لنا اليوم أن نتحرر من قيود ماضينا وأن نشتاق لآفاق جديدة في علاقتنا بإلهنا وفي خدمتنا له، فنتمثل بالرسول بولس الذي قال: "أنا لَستُ أحسِبُ نَفسي أنّي قد أدرَكتُ. ولكني أفعَلُ شَيئًا واحِدًا: إذ أنا أنسَى ما هو وراءُ وأمتَدُّ إلَى ما هو قُدّامُ، أسعَى نَحوَ الغَرَضِ لأجلِ جَعالَةِ دَعوَةِ اللهِ العُليا في المَسيحِ يَسوعَ." (فيلبي ١٤،١٣:٣)