الرسائل اليومية
تأمل: من الداخل إلى الخارج
متى ١٥: ١-٢٠
المراؤون يبدعون في الظهور أمام الناس بمظهر تقوي مزيف. وإن شئت، قل: "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" (تيموثاوس الثانية ٣: ٥). ومع أي احتكاكات أو تحديات أو إغراءات، تظهر العفونة الداخلية، لأن النبع ما زال فاسدًا. فهم مثل القبور المبيَّضة من الخارج، لكن من الداخل كل نتانة ونجاسة. فالقلب الخَرِب ما زال منبع الأفكار الشريرة والقتل والزنى والفسق والسرقة وشهادة الزور والتجديف. أي أن الخطايا الخارجية ورائها منبع داخلي، قلب خالٍ من المسيح.
هؤلاء المراؤون كانوا يهتمون بغسل الأيدي قبل الأكل، ولم يهتموا بغسل نجاسات الداخل. كانوا يهتمون بالعطاء في الهيكل حيث يراهم الناس، ولا يهمهم القسوة والتقصير في حق أقرب من لهم (آبائهم)؛ ويكسرون بذلك وصية صريحة من الوصايا العشر، بخلاف سلب الآباء حقهم، فيردّوا لهم الجميل. كلماتهم وصلواتهم تملأ بيت الله، لكن القلب بعيد كل البعد عنه.
وهنا الرب، بطول بال وصبر، لم يوبخهم على إدانتهم للتلاميذ بأنهم تناولوا الطعام بدون غسل أيديهم. لكنه قادهم للفكر الصحيح، وهو أن ما ينجّس الإنسان هو ما يخرج من الفم لا ما يدخل فيه.
ليتنا نفسح المجال للمسيح أن يملأ القلب، أي الكيان الداخلي. حينئذ كل ما يصدر منا من كلمات أو أفعال أو تصرفات، ستكون بالله معمولة.
تأمل: الدروس الإلزامية
متى ١٤: ٢٢-٣٦
لم يفهم التلاميذ من خلال معجزة الخبز والسمك من هو الرب، رغم أن حادثة إشباع الجموع الأولى توضح قدرة الرب كالخالق. لكن يبدو أن القلب لا يتجاوب من خلال الظروف المواتية مع المعاملات الإلهية. وربما راود التلاميذ شعور العظمة والأهمية، فكلٍ منهم تخيل أنه سيكون له شأن لو مَلَك المسيح، لأنهم عرفوا أنه بعد معجزة إشباع الخمسة آلاف نفس أراد الجمع أن يختطفوه ويجعلوه ملكًا (يوحنا ٦: ١٤-١٥). وهنا كان يجب أن يدخلوا في اختبار إيمان جديد بالإبحار إلى وسط البحر، حيث تُبتلع أمامهم كل حكمتهم، ويكنس الرب من قلوبهم بالأمواج والمخاطر محبتهم للعالم.
لكن الرب لم يكن ليتركهم وحدهم كما كانوا يظنون، بل كان يصلي لأجلهم، وكان يراهم. وجاء إليهم في الهزيع الرابع، أي في المرحلة النهائية قبل انقطاع الأمل والرجاء، ويبعث الطمأنينة في قلوبهم بالقول: أنا هو لا تخافوا؛ أنا هو صاحب السلطان على البر والبحر.
وبطلب بطرس الغريب وتحقيقه، نرى أن الرب من الممكن أن يُمشِّينا على المرتفعات والصعاب. فقبل أن يُهدِّئ العواصف، يجعلنا ننتصر عليها، فقط إذا كنا قريبين منه مثبتين أعيننا عليه. صحيح، لا نكون كذلك دائمًا، لكن حتى في الأوقات التي نحوّل نظرنا عنه وننظر إلى الأمواج والصعاب ونشعر بالضياع، نطلبه فيستجيب سريعًا، ولا يعاتبنا قبل أن يصحِّح أوضاعنا ويثبِّتنا.
تأمل: المعمدان شهيد الحق
متى ١٤: ١-٢١
تأمل: وبدون مثل لم يكن يكلمهم
متى ١٣: ٢٤-٥٨
يقول الكتاب: «بالإجماع عظيمٌ هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد» (تيموثاوس الأولى ٣: ١٦). الرب جاء متضعًا، فاقترب منا واقتربنا منه. لم يتكلَّم بلغة الملائكة (كورنثوس الأولى ١٣: ١)، لأننا لا نفهمها. ولم يتكلَّم بلغة الفردوس (كورنثوس الثانية ١٢: ٤)، التي لم يجد الرسول بولس ما يعبِّر عمَّا سمعه فيها، وقال: "لا يسوغ لإنسان أن يتكلَّم (على الأرض) بها." لكن الرب تكلَّم اللغة التي نفهمها وبالأسلوب الذي نفهمه. فما أكثر الأمثال التي نطق بها، والتي هي من وحي البيئة والمجتمع الذي عاش فيه! فمرة قال لهم: «هوذا الزارع قد خرج ليزرع» (لوقا ٨: ٥)، وكانوا يرون في بيئتهم الزارع وهو يزرع فعلاً. لقد نجح الرب في التواصل مع البشر، فهل نتعلم من الرب هذا الدرس ونتجسَّد لمَن نريد أن نتواصل معهم.
فكآباء نتجسَّد للتواصل مع أولادنا؛ نفهم عالمهم، ونفهم لغتهم ونتكلَّم بها معهم. وكخدَّام نحتاج أن نتجسَّد لنتواصل مع المخدومين. لكننا إن تكلمنا بلغة غير مفهومة عند السامع، يكون حالنا ما قاله الكتاب: «فإن كنت لا أعرف قوة اللغة أكون عند المتكلِّم أعجميًّا، والمتكلِّم أعجميًّا عندي» (كورنثوس الأولى ١٤: ١١). فليتنا نتعلَّم من الرب الذي قدم التعليم بطريقة بسيطة يفهمها الطفل، مثلما يفهمها الشيخ. وذكر الكتاب عنه: «وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلِّمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا» (مرقس ٤: ٣٣). فمع قدرته أن يتكلَّم كلامًا ساميًا جدًا، لكنه حرص على أن يكون كلامه بسيطًا، يحوي أعمق الحقائق بأبسط العبارات.