الرسائل اليومية
تأمل: الرب هو مصدر الحياة وقوامها
متى ٦: ١٩ - ٣٤
في متى ٦: ١٩-٣٤، يُحذّر الرب من اعتبار المال معتمد الحياة وركيزة المستقبل. فمن يعتبر المال قوام الحياة ومصدرها، سيكون عبدًا له. لكن الرب يُصلح بعض المفاهيم على أن المال عبد للإنسان لا سيد له (ع٢٤). المال وما يمثله لا يمكن أن يكون هو مصدر الحياة. والرب الذي وهبنا الحياة، وهي الأغلى، سيهبنا ما نحتاجه بدون طلب، فهو يعرف ما نحتاج إليه من قبل أن نسأل (ع٣٢). لكن يوجه قلوبنا لطلب ملكوت الله وبره (ع٣٣)، أي الأمور الروحية والعلاقة مع الرب.
طمئن الرب قلب التلاميذ بأن الذي يكسو الزهور يكسوهم. فزنابق الحقل، وهي زهيدة القيمة بالمقارنة بالإنسان، يبدع الله في إلباسها أفضل من لبس الملك سليمان، وطيور السماء ليس لها مخازن والله يقوتها (ع٢٦-٣٠).
لهذا حذّر الرب من الاهتمام (حمل الهموم)، لأنه لا جدوى من ورائه، ويُفقِد الإنسان قوته. كما أن الاهتمام والانشغال بالأمور الزائلة وطلبها هو مطمح مَن ليست لهم علاقة حقيقية مع الرب (ع٣٢).
طمئن الرب قلوب التلاميذ بأن الله هو أبوهم، والأب لا يحتاج لمن يوصيه أن يحب أولاده ويهتم بهم. فإذا كان الأب البشري الضعيف يفعل ذلك، فكم وكم الآب السماوي!!
تأمل: أبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية
متى ٦: ١ - ١٨
تكلم السيد المسيح في متى ٦: ١-١٨ عن الفضائل المسيحية الثلاث: الصدقة والصلاة والصوم.
والعجيب في الترتيب، تقديم الصدقة قبل الصلاة. فدائمًا يُعبر العطاء عن عمق العلاقة مع الرب، لأن جوهر المسيحية مبني على العطاء، والبرهنة عما في المشاعر والأحشاء المسيحية من خلال العطاء المادي بصوره المختلفة. وهذا ما نراه في قصة تغيير زكا، فبمجرد تقابله مع الرب ودون أن يُطلب منه شيئًا، قال تعهدات تُعبر عن العطاء السخي الذي فاق حتى مطالب الناموس. فالناموس يطلب أن نرد المسلوب وعليه الخمس، وليس عليه أربعة أضعاف. ومن وقت تقابله مع الرب، تغيرت مشاعره القاسية لمشاعر الرأفات تجاه الفقراء والمساكين.
وفي كلام الرب عن الصدقة والصلاة والصوم، ركّز على فكرة جوهرية وهي العيشة بعدم الرياء في الخفاء، باطمئنان كامل بأن الرب الذي هو موضوع وغرض هذه الممارسات يرى ولا يحتاج أن نقول له ماذا نفعل أو ماذا نقدم، وعندئذ سيجازينا علانية. وهذه التعاليم فضحت رياء الفريسيين الذين يعطون ويُصلون ويصومون عندما يراهم الناس، ويكفون عندما لا يراهم أحد، بل يسعون لأن يلاحظ الناس أعمالهم ليحظوا بكل المدح من البشر. لهذا استحقوا الحكم أنهم قد استوفوا أجرهم.
تأمل: سمعتم أنه قيل... أما أنا فأقول...
متى ٥: ٢١ - ٤٨
قد يُثار سؤال بعد قراءة هذا الجزء من كلمة الله: هل جاء المسيح لينقض الناموس؟ من أقوال الرب أنه جاء لكي يُكمِّل الناموس، لا لينقضه.
والسؤال الثاني: هل مطالب النعمة أقل من مطالب الناموس؟ فالبعض يظن أن النعمة تتساهل، ويتناسوا أن النعمة تُعلِّمنا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية (تيطس ٢: ١٢).
فمن متى ٥: ٢١-٤٨ نفهم أن مطالب النعمة أسمى وأعظم، ففي الوقت الذي طالب الناموس بعدم الزنا، كانت النعمة أسمى إذ اعتبرت أن الذي ينظر لامرأة بغرض الشهوة زنا. وفي الوقت الذي أوصى الناموس في الوصايا العشر بعدم القتل، أشارت تعاليم الرب أن البغضة قتل. وفي الوقت الذي أوصى الناموس بمحبة القريب كالنفس، أوصى الرب بمحبة الأعداء. وفي الوقت الذي أوصى الناموس بتقديم العشور، تدعو النعمة لتقديم كل الحياة على مذبح التكريس.
فالمطالب الإلهية في تدبير النعمة أعظم من التي في عهد الناموس. لكن الفارق أن الناموس له مطالب ولا يعطي قوة للتنفيذ، لكن في عهد النعمة، الله يطلب مطالب عالية ويعطينا إمكانيات لتنفيذها. وبالتالي فنحن لنا كل المعونة للتنفيذ. أو بمعنى آخر يُنفذ هذه المطالب من خلالنا.
تأمل: نور وملح
متى ٥: ١ - ٢٠
قال الرب للتلاميذ: "أنتم نور العالم" (ع ١٤)، وهذا النور من خلال حياته في تابعيه وليس منهم، فهو الذي قال: "أنا هو نور العالم" (يوحنا ٨: ١٢). وكون التلاميذ أنوارًا في العالم في وسط جيل ملتو ومعوج (فيلبي ٢: ١٥)، فهم يرشدون التائهين والبعيدين إلى الرب، مثلما يفعل الفنار لإرشاد السفن وهي في عمق البحر وعمق الظلام، للشاطئ الأمين.
كم من العمي الذين أعماهم إله هذا الدهر، ويحتاجون لمن يأخذ بأيديهم ناحية الرب! وكم من ربوات لا يعرفون يمينهم من شمالهم، ولا يدرون خطورة الأبدية التعيسة التي إليها ذاهبون، ويحتاجون لكلمة إرشاد تقودهم ناحية الرب!
من ناحية أخرى، المؤمن مثل الملح الذي يفتح شهية المحيطين بنا للعلاقة مع الرب. ولعل موقف الناظرين للعازر المقام من الأموات وهو متكئ مع الرب يسوع يؤكد هذا، عندما كان كثيرون يؤمنون بيسوع بسببه (يوحنا ١٢: ١١).
كون المؤمن يحيا كملح العالم يجعل المحيطين به يسألونه عن سبب الرجاء الذي فيه، فيجيب بوداعة وبخوف (بطرس الأولى ٣: ١٥).
الملح أيضًا يحفظ الأطعمة من الفساد. وهكذا وجود المؤمن بالسيد المسيح، في أي وسط، يُحد من انتشار الفساد، لكونه غير مشارك في الشر وموبخ له. وهذا يجعل ضمائر الآخرين تتوبخ بسبب حياته التقوية. فلهذا وجوده في أي وسط لن يكون مشجعًا لمن فيه للعيشة في الشر.