الرسائل اليومية
تأمل: بلا لوم
كولوسي ١: ١-٢٣
"ليُحضِرَكُمْ قِدّيسينَ وبلا لومٍ ولا شَكوَى أمامَهُ" (كولوسي ١: ٢٢).
يومًا ما وذا قريب، رغم كل المفشلات التي فينا والتي حولنا، يستطيع الرب بقدرته أن يوقفنا أمام مجده بلا عيب في الابتهاج (يهوذا ٢٤).
لكنه الآن حتى ونحن في جسد الخطية وفي العالم وحروب إبليس مستمرة ضدنا كل حين، لنا عمله الشفاعي كل حين في الأقداس، إذ هو يظهر أمام وجه الله لأجلنا (عبرانيين ٩: ٢٤). الله يرانا في المسيح بلا لوم وهذا ما تؤكده رسالة أفسس: "كما اختارَنا فيهِ قَبلَ تأسيسِ العالَمِ، لنَكونَ قِدّيسينَ وبلا لومٍ قُدّامَهُ في المَحَبَّةِ" (أفسس ١: ٤). والكلمة التي تلفت الانتباه هي "قدامه"، أي في ضوء طُهر عرشه وقداسته ونوره الفاحص، نوجد كاملين، لا لأننا فعلًا كاملين، بل لأننا نُرى في المحبوب بلا عيب ولا لوم.
كفاية عمل المسيح تُبطل كل شكاية علينا بأننا لم نعد مقبولين عند الله، سواء كانت هذه الشكاية من إبليس أو من ضمائرنا المشتكية علينا أو من كلمات المفشلة التي تأتينا من الآخرين.
تأمل: أمثلة تكريسية
فيلبي ٢: ١٢- ٣٠
بدأ الأصحاح بالرب يسوع الذي وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (فيلبي ٢: ٨)، ثم ذكر ثلاثة أمثلة تالية تأثّرت بفكر الاتضاع والتضحية بالنفس:
بولس: رغم ما له من مواهب وتاريخ مع الرب، لكنه اعتبر نفسه مجرد "السكيب" الذي يُوضع على الذبيحة، والذبيحة هي إيمان أهل فيلبي وخدمتهم: "لكنني وإنْ كُنتُ أنسَكِبُ أيضًا علَى ذَبيحَةِ إيمانِكُمْ وخِدمَتِهِ، أُسَرُّ وأفرَحُ معكُمْ أجمَعينَ" (فيلبي ٢: ١٧). مع أن بولس هو مَن ربح أهل فيلبي للمسيح!
تيموثاوس: كان الجميع من حوله يطلبون ما هو لأنفسهم (ع ٢١)، لكنه لم يسايرهم أو يتأثر بهم، بل اتخذ طريقًا مختلفًا وهو أن يطلب ما هو ليسوع المسيح (ع ٢٠)، فكان يهتم بأحوال المؤمنين بإخلاص، آخذًا الرسول بولس قدوة في ذلك.
أبفرودتس: من إنكاره لنفسه، خاطر بحياته لخدمة الرب، حتى إنه قارب الموت (ع ٣٠). وعندما علم أن المؤمنين قد سمعوا بذلك، كان مغمومًا (ع ٢٦)، لأنه لا يريد أن يسبب لهم حزنًا أو مشغولية به. على عكس ما يحدث من الكثيرين، إذ يريدون أن يكونوا محط الاهتمام، ولا سيما في تجاربهم وأتعابهم، ويعاتبون الآخرين في حالة التقصير في حقهم بالسؤال أو بالرعاية.
حقًا يا لها من أمثلة رائعة تحمل في طياتها جوهر الفكر المسيحي، ألا وهو الخروج خارج دائرة الأنا. هذا هو فكر الاتضاع، ومن ثم التضحية بالنفس لأجل الآخر. ولا يعتبر من له هذا الفكر أن في ذلك تضحية، إذا يعتبر الآخر جزء منه!تأمل: فكر الاتضاع
فيلبي ٢: ١- ١١
التواضع فكر والكبرياء فكر أيضًا. قد يكون للشخص مظهر الاتضاع، وهو في غاية الكبرياء! وقد يجلس شخص في آخر الصفوف، وهو يظن أنه أفضل الجميع! وقد ينعت شخص نفسه بأصعب الكلمات، وهو يتوقع من السامعين له أن يعطوه فوق قدره!
هنا الرسول بولس -بالوحي- قد أعطى علاجًا لكل الصراعات، لأن الذات والكبرياء هي علة الصراعات. ولعلها سبب المشكلة الموجودة في نهاية الرسالة، وربما هي غرض من أغراض كتابتها، المشكلة التي كانت بين أختين خادمتين: أفودية وسنتيخي. وهو هنا يمهد من بداية الرسالة لحل المشكلة بتقديم الرب يسوع كنموذج لمن له فكر الاتضاع. وقد سبق تقديم هذا النموذج كلمات تحريض على أن نحسب الآخرين أفضل من أنفسنا (ع ٣). ولكي تزول الصعوبة في تحقيق هذا، تدعونا كلمة الله أن نفكر في شخص كان حقه الشرعي المساواة مع الله، لكن لم يحسب هذا غنيمة لا يجوز التفريط فيها، وأخذ قرار الاتضاع، ووارى مجد اللاهوت في الناسوت "أخلى نفسه"، ونزل في سلم الاتضاع باختياره حتى الموت، موت الصليب.
المسيح تنازل بالتجسد والموت لكي يربحنا أبديًا. كل هذا لأنه لم يفكر في نفسه ولا في تضحياته، بل كان يفكر فيمن سيربحهم.
تأمل: سلام الله الذي يفوق كل عقل
فيلبي ٤
رسالة فيلبي هي رسالة البرية ورسالة الفرح في ذات الوقت. وإن كان هذا حسب المنطق لا يتفق، لكن وجود الرب في المشهد يحوّل البرية وآلامها وتجاربها إلى ينبوع من التعزيات. وفي العدد السادس والسابع من هذا الأصحاح، يرينا الروح القدس كيف ننتقل من حمل الهم إلى اختبار سلام الله الذي يفوق كل عقل.
لا تهتموا بشيء: "الغَمُّ في قَلبِ الرَّجُلِ يُحنيهِ" (أمثال ١٢: ٢٥)، فنحن لسنا حديدًا أو فولاذًا، بل بشرًا ضعفاء، نفسياتنا هشة جدًا وكياننا محدود. فأن نحمل الهم، هذا ما لا طاقة لنا به! لكن جيد أن نختبر القول: "مُلقينَ كُلَّ هَمِّكُمْ علَيهِ، لأنَّهُ هو يَعتَني بكُمْ" (١بطرس ٥: ٧). فالرب "شايلنا وشايل شيلتنا كمان". وكما قال أحدهم: "إن كل ما ينشئ فينا همًا، ينشئ عند الرب اهتمامًا".
بل في كل شيء بالصلاة والدعاء: هذه العبارة تعطينا الإذن أن نصلي لأجل كل شيء، لا يوجد شيء لا يصلح أن تصلي للرب لأجله، حتى الأمور الزمنية التي قال لنا عنها في مكان آخر: "اطلُبوا أوَّلًا ملكوتَ اللهِ وبرَّهُ، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لكُمْ" (متى ٦: ٣٣). فإن كانت الأمور المعيشية تسبب لنا قلقًا، فالرب يحثنا أن نصلي لأجلها وأن نلقي عليه همومنا.
مع الشكر: جميل أن تقترن صلواتنا بالشكر! نشكر لأنه يسمعنا، كما قال المرنم: "إذا استجبت طلبتي أو شئت ربي الامتناع... في كل حال أشكر إكرامك والاستماع".
لتُعلم طلباتكم لدى الله: هو يعرف طلباتنا، لكننا نطمئن عندما نُعلِمه إياها. هو لا يُفاجأ بصلواتنا واحتياجاتنا. يقول الكتاب: "أبوكُمْ يَعلَمُ أنَّكُمْ تحتاجونَ إلَى هذِهِ" (لوقا ١٢: ٣٠)، لكن كونه يعلم بها لا يعني ألا نصلي لأجلها.
وسلام الله الذي يفوق كل عقل: سلام الله ذاته واستقراره. فهو لا يفقد سلامه أمام عمق حاجاتنا أو المواقف الكبيرة التي نأتي بها إليه، بل هو على العرش ممسك بزمام الأمور، يتمتع بسلام عميق. هذا السلام يستطيع أن يُمتعنا به، حتى في أحلك المواقف، طالما نأتي إليه بالصلاة. سلامه يفوق كل عقل، أي أكبر من توقعاتنا وأفكارنا.
[هذا السلام] يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع: وهنا يوضح لنا الرسول بولس بالروح القدس أن الله يهمه حل المشكلة بداخلنا قبل خارجنا.